مقابلات وتحقيقات

تقرير إسباني: موريتانيا تتحول إلى حارس حدود لأوروبا

المصدر: صحيفة El Salto الإسبانية – تقرير للصحفي Joel Kashila Torné بالتعاون مع مجلة Yemayá Revista، نُشر في 28 أكتوبر 2025 بمشاركة الصحفي الموريتاني الربيع إدومو.

حرارة شهري سبتمبر وأكتوبر تمنع حركة المرور في شوارع نواكشوط نهارًا وتنقلب ليلًا إلى حركةٍ دؤوبة حين تهبط درجات الحرارة. غير أن هناك حرارة أخرى تسود الجوّ العام، إذ تشهد العاصمة منذ أشهر تصاعدًا ملحوظًا في حملات الشرطة الموريتانية لإيقاف المهاجرين العابرين في البلاد الساحلية نحو الهدف الأخير: أوروبا.

هكذا يصف تقرير لصحيفة El Salto الإسبانية أنّ هذا التشديد الأمني جاء في أعقاب الاتفاق الموقع بين موريتانيا والاتحاد الأوروبي حول التعاون في قضايا الهجرة والحدود. ففي أحياء سينكيم (Cinquième) وسيزيم (Sixième) بالعاصمة، المعروفة بأنها تأوي عددًا كبيرًا من المهاجرين الأفارقة، تنتشر نقاط التفتيش في كل زاوية ويقوم عناصر الشرطة بفحص الهويات وتوقيف من يُشتبه بأنه لا يملك وثائق إقامة.

ويقول الصحفي الموريتاني الربيع إدومو في حديثه لمجلة Yemayá Revista، وهي مشروع صحفي يركّز على توثيق مسارات الهجرة وانتهاكات حقوق الإنسان من منظورٍ جندري تقاطعي:

“هذه الظاهرة لم تكن موجودة من قبل. موريتانيا كانت بلدًا مضيافًا للأفارقة، حتى لمن وصلوا بدون أوراق. لكن كل شيء تغيّر بعد الاتفاق مع الاتحاد الأوروبي، الذي ولّد جدلًا واسعًا حول التوقيفات والترحيلات القسرية.”

ويضيف أن السلطات الموريتانية لا تُسهّل إجراءات الإقامة، إذ تُفتح فترات تسوية محددة زمنيًا، وخارجها يستحيل تقنين الوضع حتى لمن يملكون القدرة المادية والقانونية على ذلك.

يوضح التقرير أن نواكشوط ونواذيبو هما المحطتان الرئيسيتان في مسار الهجرة الإفريقية نحو القارة العجوز. ويقول إدومو:

“نادراً ما يسلك مهاجرٌ طريق الهجرة غير النظامية إلى أوروبا من دون أن يمرّ بنواكشوط، وخاصة بحيي سينكيم وسيـزيم.”

أما نواذيبو – ثاني أكبر مدن البلاد والمتاخمة للصحراء الغربية – فقد تحولت بفضل موقعها الساحلي إلى أحد أهم نقاط الانطلاق نحو جزر الكناري، حيث يُدفع المهاجرون إلى ركوب قوارب الخطر بأمل بلوغ الشواطئ الإسبانية.

يكشف التقرير أنّ الاتحاد الأوروبي وإسبانيا يركزان من خلال اتفاقيات ثنائية على “وقف تدفقات الهجرة” عبر سياسة نقل المراقبة إلى دول المنبع والعبور. وبموجب هذه الاتفاقات، تتواجد في موريتانيا بعثات من الحرس المدني والشرطة الوطنية الإسبانية للتعاون مع الأجهزة الأمنية المحلية في المراقبة البحرية والبرية والجوية.

ويشير التقرير إلى أنّ الاتحاد الأوروبي يعمل أيضًا مع مؤسسات إسبانية مثل FIAP على إنشاء مراكز استقبال مؤقتة للمهاجرين في موريتانيا. ويقول سفير الاتحاد الأوروبي في نواكشوط خواكين تاسو إنّ هذه المراكز ليست مراكز احتجاز، بل أماكن مؤقتة للنظر في أوضاع المهاجرين قبل ترحيلهم أو تسوية وضعهم، لكنّه يعترف بوجود “بعض التجاوزات من الشرطة الموريتانية في عمليات التعريف والتحقق من الهوية”.

ويرصد التقرير ما جاء في آخر تقرير لمنظمة هيومن رايتس ووتش (27 أغسطس 2025) الذي وثّق انتهاكات جسيمة ضد المهاجرين غير النظاميين في موريتانيا، منها الاغتصاب والتعذيب والترحيل إلى بلدان ليست بلدانهم الأصلية، بل وترك بعضهم في مناطق تعاني من نزاع مسلح كشمال مالي، إضافةً إلى الاكتظاظ في مراكز الاحتجاز.

وتحكي المهاجرة الكاميرونية أمساتو فيبويوم، التي وصلت إلى نواذيبو عام 2000 وكانت تنوي العبور نحو أوروبا، أنها قررت الاستقرار في موريتانيا بعد أن عملت في مجال الصيد. وهي اليوم رئيسة الجالية الكاميرونية ومديرة منظمة لدعم المهاجرين واللاجئين، حيث تدير مدرسة خاصة بأبناء المهاجرين غير القادرين على الالتحاق بالمدارس الموريتانية بسبب وضعهم القانوني. تقول:

“لدينا أكثر من 200 طفل من مالي وغينيا والسنغال وبوركينا فاسو. لكننا لا نعرف كم منهم سيبقى هذا العام بسبب حملات الطرد المتكررة.”

ويبرز التقرير أيضًا تزايد نسبة النساء في قوافل الهجرة، حيث يتعرضن للاستغلال والعنف أكثر من الرجال. وتحكي أداما (اسم مستعار)، شابة من الكونغو الديمقراطية، عن رحلتها المليئة بالعنف منذ فرارها من غوما، مرورًا بالمغرب ومالي وصولًا إلى نواكشوط، حيث تعيش الآن مع ابنتها لدى أسرة موريتانية من دون أوراق أو حماية قانونية.

ويختم ولد إدومو تصريحه قائلًا:

“أوروبا لا تريد الهجرة غير النظامية، لكنها لا تفتح أيضًا قنوات للهجرة القانونية. إغلاق جميع الطرق النظامية لا يوقف الهجرة بل يزيدها. فالهجرة حركة إنسانية قديمة وستستمر، وعلى موريتانيا ألا تتحول إلى حارس حدود بالنيابة عن أوروبا

نقلا عن تقدمي

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى