غينيا بيساو.. والانقلاب العسكري الخامس

لم يكن السادس والعشرون من نوفمبر 2025، يوما استثنائيا في تاريخ غينيا بيساو، فقد عاشت المستعمرة البرتغالية السابقة أياما مماثلة خلال نصف قرن من الاستقلال، بل إن الاستقرار السياسي شكل الاستثناء في مسار هذا البلد الصغير القابع نحو نصف سكانه في فقر مدقع.
وتُمثل إطاحة الجيش بالجنرال عمرو سيسوكو إمبالو، خامس حلقات مسلسل الانقلابات العسكرية بهذه الدولة غرب الإفريقية، بمعدل انقلاب كل 10 سنوات، أما المحاولات الانقلابية الفاشلة فعددها كثير، ووقعت بعضها خلال السنوات الخمس لسيسوكو في السلطة.
لقد وصل إمبالو المزداد قبل استقلال بلاده بعامين، السلطة عبر صناديق الاقتراع في سياق أزمة سياسية مستحكمة عام 2020، وخرج منها بانقلاب عسكري على صناديق الاقتراع في ظل أزمة سياسية مستحكمة، لم تشفع للرجل الخمسيني شهاداته العليا في العلوم السياسية والعلاقات الدولية في حلها، كما لم تسعفه رتبة “جنرال” التي يحملها في تجنب سيناريو الإطاحة به، وهو الذي عايش كل مراحل إجهاض الجيش للمسارات السياسية في بلاده.
لقد زار إمبالو موسكو وكييف في 2022 ساعيا للوساطة في حربهما المعقدة، ودعا قبل أشهر إسرائيل وإيران إلى “وقف فوري لأعمال العنف، وإلا فإن غينيا بيساو ستتحمل مسؤوليتها”.
استقبل إمبالو قائدَ قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو “حميدتي” في بيساو عام 2023، ثم استقبل رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان في 2025، وناهض بقوة موجة الانقلابات العسكرية التي وقعت في إفريقيا خلال السنوات الأخيرة، لكنه لم يستطع تجاوز أزمة بلاده الداخلية، ولا تحصين نظامه من غدر رفاق البزات والنياشين.
قال في سبتمبر 2024، إن السيدة الأولى في البلاد نصحته بعدم الترشح لانتخابات 2025، وإنه سيعمل بنصيحتها، قبل أن يتراجع لاحقا، أملا في أن يصبح أول رئيس بيساو غيني ينتخب لولايتين منذ إقرار التعددية الحزبية في البلاد قبل أزيد من 3 عقود.
لقد حمل الانقلاب على إمبالو بعض ملامح الانقلابات الإفريقية الأخيرة، خصوصا انقلابي الغابون والنيجر، فتشابه مع الانقلاب الغابوني من حيث السياق الانتخابي، فقد انقلب الجنرال بريس أوليغي نغيما ورفاقه في 30 من أغسطس 2023 على علي بونغو أونديمبا مباشرة بعد إعلان لجنة الانتخابات فوزه بولاية رئاسية ثالثة بنسبة 64.2%، وفي محاولة يائسة ظهر الرئيس المطاح به في مقطع فيديو قصير يتحدث باللغة الإنجليزية مناشدا أصدقاءه التحرك لإنقاذ نظامه.
وفي غينيا بيساو، نفذ الجنرال دينيس نكانها ورفاقه انقلابهم العسكري ساعات قبل إعلان نتائج الانتخابات، التي استبقها معسكر سيسوكو معلنا فوزه فيها بنسبة تجاوزت 50%.
وقد تحدث سيسوكو هاتفيا لوسائل إعلام فرنسية من مكان اعتقاله عن تعرضه لانقلاب عسكري، وهذا الملمح يشبه ما حصل في النيجر، فحين انقلب الجنرال عبد الرحمن تياني ورفاقه على الرئيس محمد بازوم أواخر يوليو 2023، تركوا له هاتفه وظل يتواصل مع الرؤساء الأفارقة وقادة العالم.
كما أن انقلاب بيساو الأخير، يشبه – إلى حد الٱن – كذلك معظم الانقلابات العسكرية التي وقعت بالقارة خلال الأعوام الخمسة الأخيرة، حيث لم يُعلن سيسوكو استقالته من السلطة، وهو طابع طغى على كل الانقلابات باستثناء الانقلاب على الرئيس المالي الراحل إبراهيم بوبكر كيتا، الذي ظهر ساعات بعد إعلان الانقلاب عليه في 19 أغسطس 2020 معلنا استقالته من الرئاسة.
وبالمقابل كان انقلاب غينيا بيساو الأسرع فيما يتعلق بتنصيب رئيس انتقالي وتحديد أقصر فترة انتقالية مقارنة بما حصل في باقي الدول الإفريقية، رغم أنها ستمدد في الغالب خلال الفترة المقبلة.
فبعد 24 ساعة من الانقلاب، اختار انقلابيو بيساو قائد القوات البرية الجنرال هورتا نتام رئيسا انتقاليا لمدة سنة.
ومع ذلك، فإن خامس انقلابات بيساو لن يختلف عن الأربعة السابقة، ولا عن الانقلابات التسعة التي وقعت في إفريقيا خلال 5 سنوات، وإن اختلف في المسوغات، فقد أعلن منفذوه أنه جاء بعد اكتشاف المخابرات العامة خطة لزعزعة الاستقرار بمشاركة تجار مخدرات محليين، ودخول أسلحة إلى البلاد بهدف تغيير النظام الدستوري، ومع ذلك فقد غيروا النظام الدستوري، وزعزعوا استقرار البلاد الهش.
